سورة مريم - تفسير تفسير الألوسي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (مريم)


        


{وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا (13)}
{وَحَنَانًا مّن لَّدُنَّا} عطف على {الحكم} [مريم: 12] وتنوينه للتفخيم وهو في الأصل من حن إذا ارتاح واشتاق ثم استعمل في الرحمة والعطف، ومنه الحنان لله تعالى خلافًا لمن منع إطلاقه عليه عز وجل، وإلى تفسيره بالرحمة هنا ذهب الحسن. وقتادة. والضحاك. وعكرمة. والفراء. وأبو عبيدة وهو رواية عن ابن عباس، ويروى أنه أنشد في ذلك لابن الأرزق قول طرفة:
أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا *** حنانيك بعض الشر أهون من بعض
وأنشد سيبويه قول المنذر بن درهم الكلبي:
وأحدث عهد من أمينة نظرة *** على جانب العلياء إذ أنا واقف
تقول حنان ما أتى بك هاهنا *** أذو نسب أم أنت بالحي عارف
والجار والمجرور متعلق حذوف وقع صفة مؤكدة لما أفاده التنوين من الفخامة الذاتية بالفخامة الإضافية أي وآتيناه رحمة عظيمة عليه كائنة من جنابنا وهذا أبلغ من ورحمناه وروي هذا التفسير عن مجاهد، وقيل: المراد وآتيناه رحمة في قلبه وشفقة على أبويه وغيرهما، وفائدة الوصف على هذا الإشارة إلى أن ذلك كان مرضيًا لله عز وجل فإن من الرحمة والشفقة ما هو غير مقبول كالذي يؤدي إلى ترك شيء من حقوق الله سبحانه كالحدود مثلًا أو الإشارة إلى أن تلك الرحمة زائدة على ما في جبلة غيره عليه السلام لأن ما يهبه العظيم عظيم. وأورد على هذا أن الإفراط مذموم كالتفريط وخير الأمور أوسطها. ورد بأن مقام المدح يقتضي ذلك. ورب إفراط يحمد من شخص ويذم من آخر فإن السلطان يهب الألوف ولو وهبها غيره كان إسرافًا مذمُومًا.
وعن ابن زيد أن الحنان هنا المحبة وهو رواية عن عكرمة أي وآتيناه محبة من لدنا، والمراد على ما قيل جعلناه محببًا عند الناس فكل من رآه أحبه نظير قوله تعالى: {وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مّنّى} [طه: 39] وجوز بعضهم أن يكون المعنى نحو ما تقدم على القول السابق، وقيل: هو منصوب على المصدرية فيكون من باب {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السماء الدنيا صابيح وَحِفْظًا} [فصلت: 12].
وجوز أن يجعل مفعولًا لأجله وأن يجعل عطفًا على {صَبِيًّا} [مريم: 12] وذلك ظاهر على تقدير أن يكون المعنى رحمة لأبويه وغيرهما، وعلى تقدير أن يكون وحنانًا من الله تعالى عليه لا يجىء الحال وباقي الأوجه بحاله، ولا يخفى على المتأمل الحال على ما روى عن ابن زيد {وزكواة} أي بركة كما أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس، وهو عطف على المفعول، ومعنى إيتائه البركة على ما قيل جعله مباركًا نفاعًا معلمًا للخير. وقيل: الزكاة الصدقة والمراد ما يتصدق به، والعطف على حاله أي آتيناه ما يتصدق به على الناس وهو كما ترى.
وقيل: هي عنى الصدقة والعطف على الحال والمراد آتيناه الحكم حال كونه متصدقًا به على أبويه وروى هذا عن الكلبي. وابن السائب، وجوز عليه العطف على {حنانا} بتقدير العلية، وقيل: العطف على المفعول، ومعنى إيتائه الصدقة عليهما كونه عليه السلام صدقة عليهما، وعن الزجاج هي الطهارة من الذنوب ولا يضر في مقام المدح الاتيان بألفاظ را يستغني ببعضها عن بعض {وزكواة وَكَانَ تَقِيّا} مطيعًا متجنبًا عن المعاصي وقد جاء في غير ما حديث أنه عليه السلام ما عمل معصية ولا هم بها.
وأخرج مالك. وأحمد في الزهد، وابن المبارك. وأبو نعيم عن مجاهد قال: كان طعام يحيى بن زكريا عليهما السلام العشب وإنه كان ليبكي من خشية الله تعالى حتى لو كان القار على عينه لخرقه وقد كانت الدموع اتخذت مجرى في وجهه.


{وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا (14)}
{وَبَرّا بوالديه} كثير البر بهما والإحسان إليهما؛ والظاهر أنه عطف على خبر {كان} [مريم: 13] وقيل هو من باب.
علفتها تبنًا وماء باردًا ***
والمراد وجعلناه برًا وهو يناسب نظيره حكاية عن عيسى عليه السلام، وقرأ الحسن. وأبو جعفر في رواية. وابن نهيك. وأبو مجلز {وَبَرًّا} في الموضعين بكسر الباء أي وذا بر {وَلَمْ يَكُن جَبَّارًا} متكبرًا متعاليًا عن قبول الحق والإذعان له أو متطاولًا على الخلق؛ وقيل: الجبار هو الذي لا يرى لأحد عليه حقًا، وعن ابن عباس أنه الذي يقتل ويضرب على الغضب.
وقال الراغب: هو في صفة الإنسان يقال لمن يجبر نقيصته بادعاء منزلة من التعالي لا يستحقها.
{عَصِيًّا} مخالفًا أمر مولاه عز وجل، وقيل: عاقًا لأبويه وهو فعول وقيل: فعيل، والمراد المبالغة في النفي لا نفي المبالغة.


{وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا (15)}
{وسلام عَلَيْهِ} قال الطبري: أمان من الله تعالى عليه {يَوْمَ وُلِدَ} من أن يناله الشيطان بما ينال به بني آدم {وَيَوْمَ يَمُوتُ} من وحشة فراق الدنيا وهو المطلع وعذاب القبر، وفيه دليل على أنه يقال للمقتول ميت بناء على أنه عليه السلام قتل لبغي من بغايا بني إسرائيل {وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًا} من هول القيامة وعذاب النار. وجيء بالحال للتأكيد، وقيل للإشارة إلى أن البعث جسماني لا روحاني، وقيل للتنبيه على أنه عليه السلام من الشهداء.
وقال ابن عطية: الأظهر أن المراد بالسلام التحية المتعارفة والتشريف بها لكونها من الله تعالى في الماطن التي فيها العبد في غاية الضعف والحاجة وقلة الحيلة والفقر إلى الله عز وجل، وجاء في خبر رواه أحمد في الزهد وغيره عن الحسن أن عيسى. ويحيى عليهما السلام التقيا وهما ابنا الخالة فقال يحيى لعيسى: ادع الله تعالى لي فأنت خير مني فقال له عيسى: بل أنت ادع لي فأنت خير مني سلم الله تعالى عليك وإنما سلمت على نفسي.
وهذه الجملة كما قال الطيبي عطف من حيث المعنى على {ءاتيناه الحكم} [مريم: 12] كأنه قيل وآتيناه الحكم صبيًا وكذا وكذا وسلمناه أو سلمنا عليه في تلك المواطن فعدل إلى الجملة الاسمية لإرادة الدوام والثبوت وهي كالخاتمة للكلام السابق. ومن ثم شرع في قصة أخرى وذلك قوله تعالى:

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8